قرأت فى جريدة " المصرى اليوم " لمدة يومان على التوالى عن مؤتمر تعقده الصحيفة مع نخبة من الدستوريين والقانويين ومثقفى المجتمع لمناقشة التعديلات الدستورية وما اذا كانوا سيصوتون بنعم أم لا فى الاستفتاء الشعبى يوم 19 مارس المقبل ... وكانت النتيجة ان أغلب المشاركون اتفقوا على التصويت ب "لا" وان هذه التعديلات قائمة فى الاساس على دستور من العهد البائد وانها ستنتج فرعونا اخر ... وان الحل ان نقوم بعمل دستور جديد من خلال جمعية تأسيسية تضم كافة أطياف المجتمع ... واذا سألتهم عمن سيحكم البلاد فى تلك الفترة الخطيرة والحرجة من تاريخ مصر كانت اجابتهم تتخلص فى انتخاب مجلس رئاسى مكون من اكثر من شخص تكون القوات المسلحة طرفا فيه يحكم البلاد الى ان يتم الانتهاء من وضع الدستور الجديد ...
حسنا ... هذا هو ملخص رأى الكثير من النخبة فى مصر عن التعديلات الدستورية ... كنت قد قرأت نص هذه التعديلات كاملا فى المواد الخاصة بالترشح لرئاسة الجمهورية ... ان هذه المواد هى التى تهمنا فى الوقت الحالى اكثر من اى مواد اخرى تتعلق بكوتة المرأة او كوتة الفلاحين والعمال الخ ... جل ما نريده ان يتم ترميم واعادة بناء ذلك الخراب الذى لحق بتلك المواد بالذات ثم بعد ذلك نأتى وبعد ان ننتخب من نثق به وجرى اختياره على اساس سليم ان نتحدث عن تعديل مواد اخرى فى الدستور او حتى الغائه كاملا وكتابة دستور جديد ... ان جسد البلد الان لا يحتمل ان ننتظر فترة اخرى انتقالية دون رئيس تحت وطأة الفوضى وانفلات الامن والفتنة الطائفية والديون التى وصلت الان الى تريليون جنيه والمخزون الاساسى الذى انتهى واصبحنا نستهلك من احتياطى البلد ... عودة الدولة الان بمؤسساتها وهيبتها اكثر اهمية من ان نتناقش فى مواد اخرى قد يمتد الجدال فيها شهورا لا يعلم مدتها الا الله ... ان من يقول "لا" يبحث عن المثالية والدستور الذى يمثل كافة اطياف الشعب ولكن ما الفائدة فى ان نصنع دستورا مثاليا والبلد ترتع فى فوضى عارمة !!!... ما الفائدة اذا نجحت العملية ومات المريض !!! ... هناك رأى يرد على تلك المسألة ان العمل بتلك التعديلات سيصنع هتلر جديدا واننا نعتمد هكذا على سلامة نوايا الرئيس القادم والسياسة لا تحتمل هذا ... ولكن يجب ان نفهم جيدا ان فرعون مصر قد انتهى بلا رجعة ... ولن يحدث مرة اخرى ان يجرؤ احد ويصنع مثل سابقيه فقد عرف الشعب معنى الحرية ولن يتنازل عنها مهما كان ...
تعال نتفق ان المطالب الاساسية لتلك الثورة قد تحققت بالفعل ... رحل النظام بجميع اركانه ... ذهب امن الدولة وتناثرت اوراقه وجارى محاكمته ... يقبع وراء القضبان كل من طغى وتجبر وسرق البلد بداية من ساقى القوم حتى سيدهم ... تم أصلاح الاعوجاج الرئيسى فى كيان الدستور والذى نستطيع ان نبدأ على اساسه مرحلة اخرى حرة نزيهة نتنخب فيها رئيس الجمهورية بناء على برنامج انتخابى نقتنع به والحوار بينه وبين الشعب الذى سيحكمه وتحت اشراف القضاء ... هناك قول اعجبنى للغاية الا وهو : تعال ننظر الى خارطة الطريق الان ... اننا لو قلنا "نعـم" للتعديلات الدستورية الحالية فأننا نعلم النقطة القادمة بعدها والى ان سيتوجه الطريق ... اما اذا قلنا "لا" فنحن لا نعلم مسارنا القادم ... وسنعود من حيث بدأنا ونختلف على نقطة عمل دستور جديد ام تعديل مواد اخرى وسنظل نقبع تحت سلطة الجيش ويفرض علينا هذا ويشترط علينا ذاك ... فما الافضل بالنسبة لنا ؟ ... تكملة الطريق والاسراع فى استرجاع هيبة الدولة ومؤسساتها (لاحظ ايضا ان الجيش لابد له من العودة للحدود وكلما تأخر الوقت وبالذات فى الظروف الراهنة والاندلاعات على جميع الحدود مع مصر سواء فى ليبيا او فلسطين كلما زاد الخطر الخارجى وبشدة) .. ام ان ندخل فى دائرة من الاختلاف والتأخير ومجلس رئاسى مكون من اكثر من شخص وهو ما سيزيد الهوة بالطبع ولن ينقصها (المركب اللى فيها ريسين تغرق) ؟
اننى اطلب من الناس ان تعيد التفكير وتنظر فى احوال البلد وتقرأ التعديلات الدستورية جيدا ثم تتخذ قرارها بعيدا عن تأثير وسائل الاعلام وارائها وبعيدا عمن يقبع فى ابراجه العاجية ...
فأننا عندما قمنا بالثورة لم تكن وسائل الاعلام هى التى تحركنا ...
بل كانت ضمائرنا وأخلاصنا لبلدنا ورغبتنا فى ان تعيش حرة كريمة واننا لن نرضى لها ابدا ان تنهار او تقع فى هوة عميقة لا ندرى اين قرارها ...
وعندما نفعل ذلك ...
عندها فقط نذهب ونقول : "نعـم" أم "لا" ....
مصادر :
جريدة المصرى اليوم
مقال "المعقول ممكن خير من الامثل المستحيل" للأستاذ معتز عبد الفتاح
حوار صباح دريم مع الاستاذ حسام عيسى والاستاذ معتز عبد الفتاح