"دع ذلك الذى يتحسس الطريق في الظلام ويدعو
ويبتهل أن يستمسك بتلك الوصية ويحرص عليها :أن يعمل الواجب القريب منه ... فإن قام بذلك
أصبح ما يليه واضحا ظاهرا"
جـــيته ....
كلنا كان يراودنا في النسمات الأولى من حياتنا
أحلاما عظيمة ... نجد المستقبل رائعا والحياة حضن كبير ينتظرنا كي نرتمى بداخله
... نظل نرسم في اذهاننا الصورة تلو الأخرى عن أحلام عظيمة
حتى نكاد من وضوحها ان نلمسها بأيدينا ... ثم شيئا فشيئا عندما يقترب الأنسان من
مرحلة النضج وتعتركه الحياة وتكشف عن انيابها تبدأ مرحلة "الصدمة" ... فجأة يجد الأنسان ان الحياة
ليست بالسهولة التي كان يظنها ... ان حبيبته ليست كتلك الصورة الرائعة التي رسمها
... ان صديقه ليس بذلك الإخلاص الذى تمناه... وإذا به بعدما استقر به المقام فوق
السحاب ان وجد نفسه وقد هوى على جذور رقبته ... الناس فى تلك اللحظة انواع ... نوع
تذهله الصدمة فيسلك الطريق الأسهل من وجهة نظره ويلقى بنفسه فى اقرب نهر مودعا
الحياة بكاملها ... ومنهم من ينتحر معنويا فيظل يتنقل بين الكأس والعبث حتى يلحق
بصاحبه ... ومنهم من يعلم انه اذا قام بذلك فأن الظلام فى النهاية اشد واسوء فيؤثر
السلامة وتجده قد أنفق حياته بين مقهى وآخر في اصرار عجيب ان تمضى اللحظات الباقية
فى عمره كوقت ضائع لا قيمة له ... وهناك ذلك النوع الأخر
... نوع الأبطال ... ذلك الذى تقبل الصدمة بشجاعة ووعيها جيدا ... الذى نظر للحياة
كما هى وليست ملفوفة بورق السلوفان ... أدرك انه كى اخرج من ظلام الصدمة ومرارة
الواقع لابد ان اتلمس الطريق واستمسك بأقرب صخرة بجانبي ... فربما كانت هى من ستساعدني
كي اصل لنهاية النفق .
من الخطأ ان ارسم لنفسى تلك الأحلام الكبيرة ثم
اتوقع ان يحدث كل شيء بصورة مفاجئة تفقدني الصواب من ضخامتها... لكن – والكلام لعالم النفس جــيته – لابد ان افعل ذلك "الواجب القريب" منى
حتى يمهد لما بعده فأصل هنالك بسلام ... انك قد تجد فى الحياة اناسا فاشلون ويائسون
بينما لو نظرت في احوالهم لتملكك الذهول من كم الموهبة والعبقرية التي تكمن داخل
عقولهم ... وما حدث ذلك إلا لأنهم ظلوا يُغرقون أنفسهم في بحور الأماني الوردية
ناسين أن ذلك البحر الذى يتقاذفهم الأن بأمواجه كان يمكنهم ان يعبروه بسهولة لو
انهم اعتادوا العوم اولا في تلك البركة الصغيرة الآمنة ... إن حكمة " الواجب
القريب" تشبه تلك الحكمة التي تقول " ادخلوا الباب الضيق" ... ذلك
الباب الذى لا يحيطه الشهرة ولا المال ولا يحمل اغراء لأحدا من البشر ... باب
العمل المتواضع البسيط الذى يجعلك تحب الحياة ويملأ قلبك بالأمل ... ربما كان ذلك
الباب خاليا من أي بريق لكنه يجعل عيناك تبصر من الحياة اشياء لا تراها العيون
العادية ... عيون الذين يدخلون من الأبواب الواسعة فيرون
الاشياء ذاتها لكن بأقتم الصور واظلمها...
لقد ظل جــيته
وهو في أوج شهرته ومجده يعمل كأي تلميذ صغير بنفس المثابرة والتواضع ... طلب وهو
على فراش الموت ان يمسك قلما وورقا كي يعزف بيديه اجمل الكلمات ...
ظل حتى اخر رمق
يمارس ذلك العمل الصغير الذى طالما اختاره وأحبه واخلص له ...
فكانت رسالته إلى
العالم ...
أجمل رسالة حب
وحياة ...
0 التعليقات:
إرسال تعليق