الجمعة، 28 فبراير 2014

كتاب الحياة





المشاعر تتطور ... انك فى البداية تأتى إلى الدنيا بريئا طاهرا مليئا بحب الناس والحياة ... تعامل الناس بكل عفوية لأن الكلمات والأفعال عندك بسيطة لا تحمل سوى معنى واحد ولا يرافقها قاموس مرادفات ... عندما يقدم لك احدهم حلوى فذلك معناه انه فعل شىء اسعدك فقط لا يعنيك لما فعل هذا وماذا يريد منه وما تبعات قبولك او رفضك ... ثم يمر بك الوقت فتقابل هذا وذاك وتكتشف ان للشر معانى ايضا وان ترجمان الغدر والزيف والقسوة يتكرر فى صفحة الناس مئات المرات فتتراجع كثيرا عن الثقة بهم وتغدو خطواتك فى الحياة حذرة كى لا تفع فى شرك ما او تُجرح من حيث تعود الأنسان ان يهاجم فى اضعف نقطة فيه ..قلبه !!

لكن الأنسان يعتاد ذلك ويدرك انه مضيعة للوقت ان يحاول فهم تلك الصفحة بشكل آخر وقد تعلمها وحفظها من فرط ما تكررت كلماتها فيبدأ فى الزهد فيها وقراءة ما بعدها ولا يعود لذات الصفحة من الحياة ولا يحفل بها .. فقد فهم الناس بما فيهم من نقص وتناقض ومحاولات مترددة غير كاملة للحب والعيش بسلام ومحاولات اكثر اقداما وعنفا لرفض وازاحة الأخر لأن ذلك فى اقتناعه هو الوسيلة الأضمن للحياة ... ثم يبدأ الأنسان فى تقليب صفحات اخرى وتصير رغبته لمعرفة الكون اهم من الوقوف والتمعن فى صفحة قد ملها وزهد فيها منذ زمن ... لكن من يقرأ كثيرا يتطور ... ومن يقلب صفحات مشاعره فأنها تتطور وتنضج معه ايضا !!

فأنت حينما تقطع شوطا طويلا فى كتاب الحياة تجد ان ما فهمته وادركته منه جعلك تضع صفحة الناس فى مكانها الصحيح بين الباقى وتدرك انها تكمل الكتاب وتتأثر به ... تشعر انها جزء لا يتجزأ من فهمك للحياة فتعود إليها مرة اخرى ولكن عقلك وقلبك تلك المرة قد فهم ان حكمة الله فى الكون اعظم من تختزل فى معانى ومرادفات فقيرة قليلة يرددها الناس... وان الحياة واسعة وكل كلمة وكائن فيها هو سر آخر يكمل لغزها وجمالها ... انك لن تقرأ صفحة البشر بذات الطريقة ولا بنفس القناعة ... ولا تقرأها لأنك تحاول ان تتعايش معهم او توجد لنفسك مكانا بينهم فلقد غادرتهم منذ زمن بالفعل حينما زهدت فيهم واعتزلت البشر زمنا كى تصاحب الحياة... حينما تقرأها تلك المرة فأنك لا تنظر لصغائرهم ونواقصهم بل بعين المسامح المشفق الذى فهم انهم يحاولون مثل اى انسان ان يتجاوز ما يشقيه ويعود ولو لمرة للمعنى الفطرى للكلمات ...

الأحد، 2 فبراير 2014

ادخلوا من الباب الضيق!!






"دع ذلك الذى يتحسس الطريق في الظلام ويدعو ويبتهل أن يستمسك بتلك الوصية ويحرص عليها :أن يعمل الواجب القريب منه ... فإن قام بذلك أصبح ما يليه واضحا ظاهرا"
 جـــيته   ....   

كلنا كان يراودنا في النسمات الأولى من حياتنا أحلاما عظيمة ... نجد المستقبل رائعا والحياة حضن كبير ينتظرنا كي نرتمى بداخله ... نظل نرسم في اذهاننا الصورة تلو الأخرى عن أحلام عظيمة حتى نكاد من وضوحها ان نلمسها بأيدينا ... ثم شيئا فشيئا عندما يقترب الأنسان من مرحلة النضج وتعتركه الحياة وتكشف عن انيابها تبدأ مرحلة  "الصدمة" ... فجأة يجد الأنسان ان الحياة ليست بالسهولة التي كان يظنها ... ان حبيبته ليست كتلك الصورة الرائعة التي رسمها ... ان صديقه ليس بذلك الإخلاص الذى تمناه... وإذا به بعدما استقر به المقام فوق السحاب ان وجد نفسه وقد هوى على جذور رقبته ... الناس فى تلك اللحظة انواع ... نوع تذهله الصدمة فيسلك الطريق الأسهل من وجهة نظره ويلقى بنفسه فى اقرب نهر مودعا الحياة بكاملها ... ومنهم من ينتحر معنويا فيظل يتنقل بين الكأس والعبث حتى يلحق بصاحبه ... ومنهم من يعلم انه اذا قام بذلك فأن الظلام فى النهاية اشد واسوء فيؤثر السلامة وتجده قد أنفق حياته بين مقهى وآخر في اصرار عجيب ان تمضى اللحظات الباقية فى عمره  كوقت ضائع لا قيمة له ... وهناك ذلك النوع الأخر ... نوع الأبطال ... ذلك الذى تقبل الصدمة بشجاعة ووعيها جيدا ... الذى نظر للحياة كما هى وليست ملفوفة بورق السلوفان ... أدرك انه كى اخرج من ظلام الصدمة ومرارة الواقع لابد ان اتلمس الطريق واستمسك بأقرب صخرة بجانبي ... فربما كانت هى من ستساعدني كي اصل لنهاية النفق .

من الخطأ ان ارسم لنفسى تلك الأحلام الكبيرة ثم اتوقع ان يحدث كل شيء بصورة مفاجئة تفقدني الصواب من ضخامتها... لكن والكلام لعالم النفس جــيته لابد ان افعل ذلك "الواجب القريب" منى حتى يمهد لما بعده فأصل هنالك بسلام ... انك قد تجد فى الحياة اناسا فاشلون ويائسون بينما لو نظرت في احوالهم لتملكك الذهول من كم الموهبة والعبقرية التي تكمن داخل عقولهم ... وما حدث ذلك إلا لأنهم ظلوا يُغرقون أنفسهم في بحور الأماني الوردية ناسين أن ذلك البحر الذى يتقاذفهم الأن بأمواجه كان يمكنهم ان يعبروه بسهولة لو انهم اعتادوا العوم اولا في تلك البركة الصغيرة الآمنة ... إن حكمة " الواجب القريب" تشبه تلك الحكمة التي تقول " ادخلوا الباب الضيق" ... ذلك الباب الذى لا يحيطه الشهرة ولا المال ولا يحمل اغراء لأحدا من البشر ... باب العمل المتواضع البسيط الذى يجعلك تحب الحياة ويملأ قلبك بالأمل ... ربما كان ذلك الباب خاليا من أي بريق لكنه يجعل عيناك تبصر من الحياة اشياء لا تراها العيون العادية ... عيون الذين يدخلون من الأبواب الواسعة فيرون الاشياء ذاتها لكن بأقتم الصور واظلمها...

لقد ظل جــيته وهو في أوج شهرته ومجده يعمل كأي تلميذ صغير بنفس المثابرة والتواضع ... طلب وهو على فراش الموت ان يمسك قلما وورقا كي يعزف بيديه اجمل الكلمات ...
ظل حتى اخر رمق يمارس ذلك العمل الصغير الذى طالما اختاره وأحبه واخلص له ...
فكانت رسالته إلى العالم ...
أجمل رسالة حب وحياة ...