الاثنين، 20 يونيو 2016

الغزو الداخلى





كيف يمكن للأفكار أن تدمر دفاعاتك النفسية أو توهمك بما ليس فيك .. كيف تجعلك تظن انك ما فعلت خيرا قط .. وما نجحت ولا أحببك أحد .. الأسترسال مع أفكار الذات خصوصا حينما تكون معتادة على القسوة معك والجلد يجعلك أسوء لا شخص أفضل .. انها تجعل عضلات وجهك متشنجة وفى حالة صراع مع إنك تجلس فى مكان هادىء والجو به نسمة حلوة وما من الآلام جسدية حقيقية توجعك .. احيانا اتعجب من سطوة هذه الأفكار على النفس وصراخها العالى وكأنها تدفعك بقوة خارج منطقة السكينة والسلام كى تغرق فى ظلام أسود .. دائما أقول عند أشد الخواطر اليائسة سواء على ماضى تسرب من يدى أو خوف من تجربة جديدة أنها مجرد (أفكار) يمكن التخلص منها (ولن أدعى بسهولة) .. لكن حقيقة انها (فكرة) تطمئن القلب قليلا وتجعلك تحاول دفعها .. أحيانا تأتينى أفكار عن نضوب نبع الكتابة وجفاف القلم ويتصاعد حاجز نفسى يمنع الكلمات من الإنسياب بإريحية على الورق كما أعتادت أن تفعل.. حينما يتصاعد صوت داخلى يشوش على أفكارى الرائقة ويصدر فكرة واحدة سلبية فى رأسى فلابد من حشد الجيوش وإعلان الحرب النووية الشاملة على هذا الشعور أو الصوت أو أيا يكن ...

هناك غرفة سرية عميقة بداخلك محاطة بأسوار وحراس بطول الجبال .. هذه الغرفة هى ذاتك متجردة من كل التصورات المجتمعية والمقارنات وتبدل حالك بتغير الزمن .. هى غرفة يحرص الإنسان على مكانها السرى بعيدا حتى عن شخصه هو لو لزم الأمر كى لا يؤذى نفسه .. وذلك بأن تشوش على الأفكار الدخيلة التى تبحث بإصرار عن غرفتك السرية ..  تقذف بصواريخ نارية إلى مكان بعيد كى تتبع الأثر الخطأ .. تدفع بالحراس الاشداء كى يركضوا ورائها ولا يتركون فكرة واحدة تتسلل .. تفتح السدود وتجعل الكلمات تنهمر دافعة بالأفكار إلى الخارج .. لابد أن تكون فى حالة مقاومة من بداية المرض وليس حينما يستفحل .. لذلك كلمة (جهاد النفس) فى المعتقد الأسلامى دقيقة وتوحى وكأن رايات الحرب النفسية لا تنزل ابدا .. انك لابد أن تكون منتبها ومدرك طوال الوقت لمن يعبث برأسك .. هل هى فكرة خبيثة تتسلل بغير صوت حتى تكون سيدة المكان؟ .. أم تملك أسوار قوية من الإيمان بالله والثقة بالنفس والغاية الواضحة التى يملأها الحب والشغف وتتجرد من كلمات بلا قيمة (كالشهرة) و(التميز) .. لاحظ هنا إنك لا يمكن أن تحارب بغير سلاح وأن (الفكرة المدمرة) هى أصلا شعور مركب متصاعد من الداخل .. لذلك يجب أن يكون تدريباتك النفسية منظمة طويلة المدى وجنودك متمرسة تعرف كيف تتصرف سريعا حينما تهاجم الفكرة .. تمسك القلم وتكتب .. تنهمك فى العمل .. تسافر كى تدفع بالأفكار من فوق جبل أو تنثرها فى سماء واسعة مليئة بالنجوم .. تتابع قضية وتتفاعل معها .. تجلس وسط الناس وتراقب أفعالهم وكل خلجة فيهم حتى تبدأ أفكارك فى تحويل مسارها إلى قصص وحكايات عنهم .. المهم أن تملك خطة معتادة فى تلك المواقف .. كن مع قلمك أو الناس أو الطبيعة .. هذا سيجعل أفكارك يعاد تشكيلها وتصبح ناضجة وربما كان هذا أفضل من الجهد النفسى (الذى يفشل عادة) فى محوها من رأسك.  

فى رأيى لا يوجد إنسان غير العالم إلا وملك صفة وحيدة فقط .. انه مقاتل من الدرجة الأولى .. ليس بالموهبة ولا بسنين الخبرة ودائرة المعارف .. ولا بكم الانجازات والنجاح المتتالى .. هو فقط يملك روح مقاتلة عنيدة مصرة أن تكون سعيدة ولا تسمح أن تُدفن فى مكان لا ترى فيه الشمس .. هولاء الناس أراهم فى كلامهم اليومى العادى وكتاباتهم وحتى بريق أعينهم .. نمور متحفزة مستعدة لتمزيق من يقترب من عرين ذاتها .. لذلك كان بناء الجبل الداخلى أهم ألف مرة من تلميع صورتك حتى لو مكثت سنين طويلة  لا يعلم أحد عنك ولا عن أخبارك وأختفيت وسط الزحام .. لقد ذهب الانبياء إلى الصحراء والكهوف وكانوا قبل أن يُنزل عليهم الوحى منهمكون فى البحث عن الخالق وربط أنفسهم به وحده .. لم يكن الانبياء الأكثر شهرة ولا مكانة حتى أن هذه كانت نقطة إستنكار من قومهم (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) .. الله عز وجل أختار معايير أخرى أصدق وأقوى وأثبت .. والدليل أن هولاء الرجال حملوا الرسالة مئات الأعوام (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما) وسُجنوا (فلبث فى السجن بضع سنين) وقُتلوا ولم تُلمس غرفتهم النورانية الداخلية ..


ربما كان من الصعب فى هذا العصر الأختلاء بالذات والتأمل والزهد فى المقارنة بأحوال الناس وتجاهل اللوحات الاستعراضية التى تخنق أنفاسك حتى باتت وظيفة (الاستعراض) و(التسويق) تتصدر أى وظيفة أخرى ذات نفع حقيقى.. لقد حاولت مرة وأنا أسير على الطريق الدائرى أن أتجاهل بإصرار اللوحات الحمراء والصفراء التى تزعق فى وجهى بكافة الوسائل .. أردت أن أكون باردة مع الإبتسامات الخادعة وأبادلها تجاهلا .. وأن أوصل رسالة غير مباشرة لهولاء انه مهما تفننت فى إغرائى فلازلت أملك كامل الإرادة فى توجيه أفكارى .. يمكننا أن نسرد المشكلة وننوح كما نشاء عن ضغوط العصر وسرعته وانه يسير بنا ولا نسيره  .. لكن ستظل إرادتك دائما حرة تماما فى إنقاذ نفسك (متى أردت) ووضع خطة النجاة لعقلك وروحك.

0 التعليقات: